سؤالي:وقع نزاع بين بعض الشباب حول رسالة يتراسلونها عن صفة السجود وأن تقديم الركبتين تشبه بفعل البعير فما صحة هذا الكلام؟ الجواب:هذه مسألة خلافية بين الأمة ولا ينبغي النزاع في المسائل الظنية وهذا من شأن الجهلة لا طلبة العلم وأهله وعلى كل حال أبين المسألة باختصار على وجه السرعة فأقول: ذهب أكثر الأمة إلى أن السنة أن يضع المصلي ركبتيه قبل يديه وهو ما عليه العمل عندنا في المذهب وبه قال النخعي ومسلم بن يسار وسفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وأصحابه وأهل الكوفة واستدلوا: بحديث وائل بن حجر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه. ونوقش أن في هذا الحديث ضعف فقد تفرد به القاضي شريك وهو مختلف فيه فوثقه قوم وضعفه آخرون. وأجيب بأنه من رواة مسلم فهو صحيح على شرطه. وله شاهد عند البيهقي والحاكم عن عاصم الأحول عن أنس قال:رأيت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- كبر فحاذى بإبهاميه أذنيه،ثم ركع حتى استقر كل مفصل منه في موضعه ، ورفع رأسه حتى استقر كل مفصل منه في موضعه ،ثم انحط بالتكبير حتى سبقت ركبتاه يديه. وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. والصحيح أن ضعيف فقد تفرد العلاء بن العطار، والعلاء مجهول ولا عبرة بتصحيحات الحاكم ولو وافقه الذهبي فكم من حديث قال إنه على شرط الشيخين وليس بذاك وقد بينت هذا في رسالة منفصلة. وله شاهد عن ابن عمر موقوفا عند البخاري وهو صحيح. وأخرج ابن خزيمة من حديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال “كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بوضع الركبتين قبل اليدين” وفيه: إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بم سلمة بن كهيل عن أبيه و هما ضعيفان. ولهم في هذه الأدلة ردود ومناقشات ليس هذا محل ذكرها. وذهب آخرون إلى أن السنة أن يضع يديه قبل ركبتيه واستدلوا: بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه” أخرجه أهل السنن والبخاري في تاريخه. قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذه الوجه، وقال البخاري: محمد بن عبيد اللّه بن الحسن لا يتابع عليه، ولا أدرى سمع من أبي الزناد أم لا. ونوقش:بأن البخاري لم ينف السماع ، إنما نفى علمه به ،ومحمد بن عبد الله بن الحسن وثقه النسائي وابن حبان ،ولم يعرف بتدليس,وأما قول الترمذي فالتفرد بحد ذاته ليس بضعف. ويجاب:بأن البخاري لم ينف علمه بسماعه فقط بل قال قبل ذلك لا يتابع عليه ثم ذكر نفي العلم فهو حكم بعدم متابعته على هذا الحديث. وأما عن كلام الترمذي فإن عبدالعزيز غمز بالضعف. إذ هو مختلف فيه قال أحمد بن حنبل إذا حدث من حفظه يهم ليس هو بشيء وإذا حدث من كتابه فنعم وقال أيضا إذا حدث من حفظه جاء ببواطيل وقال أبو حاتم لا يحتج به ومنهم من وثقه. وقد تفرد بهذا التفصيل الذي ورد فيه الأمر بوضع اليد قبل الركبة. وقال الدارقطني: وهذا حديث تفرد به الدراوردي عن عبد الله بن عمر، وفي موضع آخر: تفرّد به إصبع بن الفرح عن الدراوردي كما في شرح سن ابن ماجة لمغلطاي. وذهب ابن القيم إلى أن في الحديث قلبا وهو في وقوله” وليضع يديه قبل ركبتيه” والصواب “ليضع ركبتيه قبل يديه” قالوا:البعير كما هو مشاهد يقدم يديه عندما يبرك ولو أننا قلنا إن العبارة لم تنقلب على الراوي لكان أول الحديث مناقضا لآخره لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – نهى أن يبرك الإنسان كما يبرك البعير وهذا نهي عن تقديم اليدين وأخر الحديث يدل على أنه مأمور بأن يبدأ بيديه فيكون مناقضا. ونوقش أن البعير يمشي على يديه ورجليه وعندما يبرك فإنه يبرك على ركبتيه أولا. وقيل [ن هذا الحديث منسوخ بحديث سعد وقد تقدم ما فيه. ولهم فيه نقاش طويل ليس هذا محل بيانه في هذه العجالة. وخلاصة ما أريد أن أقوله أنه لا ينكر على من أخذ بأحد القولين لأن لكل فريق دليله. وأما الذي يفتى به فهو تقديم الركبة على اليدين في السجود والحديث الذي استدل به المثبتون ضعيف ومع تقدير صحته فالقول باحتمال وجود قلب في الحديث وارد وله شواهد كثيرة في كتب الحديث والذي يفهم من الحديث النهي عن صفة البعير حين السجود والذي يقدم يده أقرب مشابهة لصفة البعير ممن يقدم ركبته. أو يحمل النهي على من نزل بثقله على ركبتيه كمن يسمع دوي نزوله حين السجود وهذا من شأن البعير. وما قيل من أصل خلقة البعير وأنه يمشي على يديه فلا خلاف فيه ولكن لنتأمل لفظ الحديث على تقدير صحته-وإن كان لا يخلوا من قدح-لنتأمل قوله قال: فلا يبرك كما يبرك البعير ولم يقل فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير فالنهي عن الصفة وليس عن العضو الذي يركز عليه. وهذا الرأي ثبت موقوفا على ابن عمر وهو أكثر الناس مشابهة لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم فمع القول بضعف الحديثين فإنه يستأنس بكلام الصحابي المشاهد لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم.