الجواب نص علماؤنا قاطبة من غير خلاف بينهم على حرمة الدعاء بالخير الأخروي لغير الولي التقي لأن موالاة العصاة حرام وهو ما دلت عليه الأدلة الشرعية وليس معنى ذلك أن نقطع بأن العاصي في النار كلا ولكننا مخاطبون بأن نخص المؤمن بالدعاء الأخروي دون غيره
لأنه حق خاص به فإن أعطيناه غيره فقد تعدينا على حقه وخالفنا أمر الله والولاية والبراءة فريضة كسار العبادات المفروضة والأدلة على ولاية المؤمن والبراءة من العاصي كثيرة منها باختصار شديد:
1-قال تعالى( وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47).
والصحيح أن ابن نوح كان مسلما ولكنه عصى أمر الله ولم يكن كافرا وذلك من وجهين:
الأول:أن الله أخبر نوحا أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فكيف يدعوا نحو ربه لابنه إن كان كافرا وقد علم يقينا أنه لن يؤمن إلا من قد آمن قال تعالى(وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36).
الثاني: ورد في قراءة الكسائي بصيغة الفعل الماضي إنه عَمِلَ غير صالح وهي أوضح في بيان سبب خروجه من الولاية فعمله غير الصالح ومخالفته لأمر الله أخرجته من ولايته سبحانه.
2-قال تعالى:( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
الشاهد:أن الدعاء الأخروي من آثار الولاية والآية عامة تدل على حرمة ولاية كل من حاد الله ورسوله ولو كان مسلما فآكل الربا وإن كان مسلما فهو محاد لله ورسوله كيف والله قد أذن عليه بالحرب وشارب الخمر محاد لله ورسوله كيف وهو ملعون مطرود من رحمة الله وكذا النامصة والواشمة ونحو ذلك.
3-قوله تعالى(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
الشاهد: نصت الآية على حرمة ولاية من آمن أي أسلم ولم يهاجر لتركه فريضة الهجرة في سبيل الله وهو نص في الموضوع فمن ترك أمر الله وعصاه فلا تحل ولايته.
4-قوله تعالى(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)
الشاهد:أن الولاية من حقوق المؤمن الخاصة التي لا يصح أن تعطى لغيره لعدم توفر الشروط المطلوبة فيه والتي نص الله عليها في هذه الآية وقد حصر الرحمة في هؤلاء في قوله(أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ) والدعاء الأخروي من آثار تلك الولاية فكيف ندعوا بالرحمة لمن أخرجهم الله من رحمته.
وإليك بعض كلام علمائنا:
وقال أبو جعفر ، ومن قال في السلام على الناس ورحمة الله وبركاته ولم ينو به ولاية فلا بأس . وقول القائل كيف أصبحت وكيف أمسيت ليس بسلام ، إنما هو استفهام.
قال الشقصي: ولا يجوز أن يقال لغير الولي: غفر الله لك؛ إلا أن يريد بقوله – ستر الله عليك في الدنيا مما يكره إظهاره، لأن الغفران هو الستر.
قال السالمي:لا يجوز الدعاء لغير الولي بحسن الخاتمة، ولا يجري فيه الاختلاف الموجود في جواز الدعاء له بالهداية.
سئل شيخنا الخليلي هذا السؤال فأجاب: من كان الحكم فيه بالبراءة لتخلفه عن الجماعة وتركه الجمعة كما نعتقد وكما بينتم سماحتكم ، إن كان الحكم عليه هكذا في الحياة فما البال عند الممات خصوصاً إن ذلك كالأب أو الجد فكيف يكون الدعاء له والترحم عليه وطلب المغفرة له من الله وما هو الواجب من ذريته نحوه ؟
من كان مجاهراً ومعانداً في تركه الجماعة كما هو شأن كثير من الناس فحكم البراءة يطبق عليه ، ولا ريب أن موقف علمائنا في هذا واضح وظاهر وهو أنه لا يدعى له بخير الآخرة ، ودليلهم على ذلك قول الله تبارك وتعالى في ابن نوح عليه السلام ( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ)(هود: من الآية46) ، فقد قرأ حمزة وهو من القراء السبعة وقراءته مشهورة ( إنه عَمِلَ غير صالح ) ، وهذه القراءة قرأ بها أربعة من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ، وهي تدل على أن العمل غير الصالح هو الذي يوجب البراءة ويمنع من الدعاء ، كيف ونوح عليه السلام لم يزد على قوله ( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ)(هود: من الآية45) ، فرد الله تعالى عليه بقوله ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك)(هود: من الآية46) وعلّل ذلك بقوله ( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح)(هود: من الآية46)، معنى ذلك أن عمله الذي عمله غير صالح ، ويؤكد ذلك ما في قراءة حمزة كما قرأ كما قلت ( إنه عَمِلَ غير صالح ) ، والله تعالى أعلم.
وأما من لم يعرف حالة فيجب الوقف وعدم تخصيصه بالدعاء الأخروي ونكل أمر إلى الله وندعوا بالرحمة لعامة المؤمنين فإن كان منهم فقد شمله الدعاء وإلا فأمره إلى الله والله أعلم.
كتبه أخوكم أحمد بن عبيد التمتمي مختصرا لكثرة الشواغل.