الجواب عن سؤاله هذا ينبني على مسألتين أنبه عليهما:
المسألة الأول:حكم التصدق من الأضحية :
اختلف الفقهاء في حكم التصدق من الأضحية:
القول الأول:التصدق منها واجب واستدلوا بظاهر الأدلة نحو قوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (فكلوا وتصدقوا وادخروا) والأمر للوجوب ما لم تصرفه قرينة.
القول الثاني:يستحب التصدق منها ولا يلزم؛ لأن الأمر مصروف بالقرينة ومن القرائن أن الأضحية سنة مؤكدة في المعتمد من قولي أهل العلم وليست بواجبة للحديث { إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره } وقد علق النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بإرادة المكلف وهذا يدل على عدم فرضيتها، فكيف يكون الأصل سنة غير واجبة -وهو الأضحية- ويكون الفرع واجبا -وهو التصدق منها-.
واستدل القائلون بالاستحباب أيضا بأن الأمر إنما جاء بعد الحظر والأمر بعد الحظر للاستحباب وهذه مسألة طويلة وأحيل القارئ فيها إلى بحثي (الأمر بعد الحظر والاستئذان وتطبيقاته الفقهية)والصواب أن دلالة الأمر بعد الحظر تكون بحسب ما كان قبل الحظر.
ثم أرأيت لو أن رجلا تصدق بكل أضحيته فهل يقال بأنه آثم لأنه يجب عليه الأكل منه؟ الصحيح لا ،وهو ما عليه الجمهور، بل عليه قول من قال بوجوب التصدق فيقال:
كيف فرقتم بين الأكل والصدقة مع أن النص قرنهما معا فإما القول بوجوبهما أو باستحبابهما،وقد قيل بوجوبهما غير أن عامة الفقهاء حكموا بضعف هذا القول وهو الصواب.
المسألة الثانية: ما يتعلق بسؤال الأخ وهو دفع مبلغ من المال بنية التصدق بأضحية تتكفل بذبحها الجمعية الخيرية:
أقول: إن المسألة لا تخلو من وجهين:
الوجه الأول هو: أن يكون المال كافيا لشراء أضحية كاملة فتذبح عنه ويتبرع بها إلى الفقراء مع أضحيته التي ذبحها بنفسه فهذه أضحية تامة تجزئ عن الصدقة في الأضحية الأولى.
الوجه الثاني: أن يكون قد دفع جزءًا من المال لا يغطي قيمة الأضحية كاملة، وهنا تتفرع المسألة إلى فرعين، الفرع الأول: إن كان هذا الجزء الذي لا يكافئ قيمة الأضحية -باستقلال- يدفع في أضحية لا تجزئ إلا عن عائلة واحدة كالشاة، فلا يمكن أن نقول: إنه قد قدم أضحية تامة؛ لأنه اشترك مع غيره فيما لا يشترك فيه، وإنما هو تصدق منه، ولا يعني هذا الاستخفاف بالصدقة،ولكن البحث في الباب الذي دخل من خلاله، وولج إلى البر: نقول هو باب الصدقة عموما (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ)
الفرع الثاني: أن يكون قد اشترك فيما يشرع فيه الاشتراك، كالبقرة، أو الإبل، فدفع هو نصيبًا ودفع غيره نصيبًا آخر، مما يجوز فيه الاشتراك،فاشترك مع غيره فيها، فهنا نعم، نقول: إنه ذبح أضحية اشترك فيها مع غيره، وعليه فينظر في هذه المسألة بناء على التفصيل الذي ذكرته، من مكافأة المال للأضحية أو عدم مكافأته لها، وفي حالة عدم مكافأته لها، هل مما يشترك فيه، أو مما لا يشترك فيه؟ كل هذا من باب البيان والتفصيل، وإلا فإن من ضحى ودفع مالاً ليشتري به اللحم للفقراء، فقد أدى ما عليه ، ونال بذلك الأجر والثواب عن صدقته؛وأؤكد أن كلامي لا يعني الاستخفاف بالصدقة أو التقليل من شأنها، وإنما هو بيان المسألة التي أراد السائل مني بيانها، فشكرًا لك أخي على هذا السؤال، وهذا هو الجواب باختصار، فإن أصبت فمن الله وحده، وإن أخطأت فمني ومن الشيطان، والله أعلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.