قد اختلف فقهاء الأمة المعاصرين في حكم التأمين التجاري:
فذهب جمهور الأمة إلى حرمة التأمين التجاري واستدلوا بأدلة أقواها: أن عقد التأمين عقد معاوضة مشمول بالغرر الفاحش، والغرر الفاحش في عقد المعاوضة حرام، ذلك أن الإنسان يدفع مالا ولا يدري أيرجع إليه مثل ذلك المال أم لا؟وربما سيرجع إليه أكثر مما دفع؟
وأما القول بأنه من باب القمار أو من باب الربا فإنه محل نظر والصواب ألا قمار فيها ولا ربا، وكنت قد ذهبت في كتابي «بيع المرابحة» إلى ما ذهب إليه الجمهور وذكرت أدلتهم فمن شاء فليرجع إليه، والذي يبدو لي أن شبهة القمار في التأمين غير حاصلة وكذا شبهة الربا؛ لأنه لا يدفع مالا مقابل أن يأخذ مالا، وإنما هو يريد منفعة لذا ذهب بعض الفقهاء إلى جواز التأمين التجاري، منهم الشيخ عبد الرحمن بكلي والشيخ إبراهيم بيوض من أصحابنا وجملة من الفقهاء الآخرين، وقالوا بأنه عقد مقبول لأن المستأمن يطلب الأمان، وهي منفعة حقيقية أثبت العصر الحاجة إليها.
كما استدلوا بالقياس على بعض العقود التي أجازها الشارع مع ما يكتنفها من مناهٍ، كعقد السلم الذي أجازه الشارع بالنص، وعقد الاستصناع والجعالة التي تكلم عنها الفقهاء مع أنها لا تخلو من الدخول في الغرر أو في بيع المعدوم،فمنها ما أجيز بالنص كالسلم ومنها ما أجيز بالقياس كالاستصناع.
فقالوا:إن التأمين التجاري لا يعدوا أن يكون جائزًا على أقل تقدير من هذا الباب للحاجة الماسة إليه في وقتنا.
وعلى كل حال مَن أخذ برأي الجمهور فبها ونعمت وهو الأحوط خصوصا إن وجود البديل
ومَن أخذ برأي بعض الفقهاء فلا يقطع عذره فلكل دليله والنقاش فيها طويل وهذا خلاصته.
والله أعلم